السؤال.. أنا ولله الحمد أعمل في شركه كبيرة في مجال الاتصالات، وكما تعلمون أن مثل هذه الشركات تستقطب مهندسين من ذوي الخبرات من مختلف أرجاء الدنيا وعلى مختلف دياناتهم ومعتقداهم.
حيث أن القسم الذي أعمل به يحتوي على مجموعة من غير المسلمين، مشكلتي هي عندما ينضم إلينا أحد من غير المسلمين أصبح أحس بمسؤولية عميقة تجاهه، وأحس بالضيق والخجل من الله بأنني لم أخبره عن الإسلام، ولا يهدأ صدري إلا عندما أذهب إلى مراكز الدعوة، وأحضر لهم الكتب التعريفية بالإسلام.
حيث أنني ولله الحمد محبوب من الجميع، وأكون أحسن خلقاً مع غير المسلمين لعلي أعكس شيئاً من خصال الإسلام الغالية، فما توجيهكم ونصحكم لي؟ وهل علي إثم إن لم أبادر بتعريفهم بالإسلام؟ وهل إحساسي بالضيق لعدم المبادرة محمود أم مذموم؟
جزاكم الله خيراً.
الإجابــة.. بسم الله الرحمن الرحيم .. الأخ الفاضل/ علي سعيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. فهذه الآية هي خير جواب على سؤالك الكريم، هذا السؤال الذي يدل بحمد الله عز وجل على توفيق من الله عظيم، يدل على أنك شابٌ تحمل همَّ هذا الدين، شابٌ تحرص على أن تقدم هذا الدين للحيارى والضالين؛ لتكون بكرم من الله سببًا في إخراجهم من الظلمات إلى النور.
وتكون سببًا في أن تجعل هذا الدين يدخل هذه القلوب المظلمة التي قد أظلمَت بالكفر بالله والشرك به، بل ماتت بالكفر والضلال، فإن قلب الكافر قلب ميت كما أن قلب المؤمن قلب حي؛ فإن الكافر إذا آمن بالله فقد نُشِر قلبه ورجع إلى الحياة بعد أن كان من جملة الأموات؛ قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
فمن كان كافرًا بعيدًا عن الله بكفره وشركه وضلاله فهو صاحب قلب ميت مظلم، بل قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}.
ويضاد ذلك قلب المؤمن الذي هو مليءٌ بالحياة مليء بالنور؛ كما قال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. - أي مثل نوره وهداه في قلب المؤمن نور على نور.
والمقصود أن هذا السعي الكريم هو من أعظم السعي، بل قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً – أي لا أحد أحسن قولاً - مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. فينبغي أن تحرص على هذا الخلق العظيم.
وأما هذا الشعور الذي يصيبك من الألم وتأنيب النفس لعدم تقديم الدين لهؤلاء الناس فهو شعور فاضل وسمة كريمة لأنها تدل على الهمة العالية وتدل على أنك حريص على أن توصل دين الله – دين الحق – إلى الناس، فهذه يا أخي هي دعوة الأنبياء وهي سبيلهم؛ كما قال الله جل وعلا: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
فهو شعور محمود بحمد الله بل هو قربة من القرب لأن الذي يحملك عليه هو حب نشر طاعة الله في الناس وحب تعبيد الناس لله جل وعلا لتخرجهم من عبادة الأوثان وعبادة العبيد إلى عبادة رب الأرض والسماء جل وعلا.
وأما عن قيامك بإعطائهم الكتيبات والوسائل التي تعرفهم بالإسلام فهذا عمل صالح وهذا خير عظيم، مضافًا إلى ذلك ما ثنيت به من العاملة الحسنة التي تحببهم في الإسلام، فقد جمعت بحمد الله بين أمرين: بين الدعوة بلسان الحال والدعوة بلسان المقال، وهذا الذي ينبغي أن تحرص عليه، فإن الدعوة بالمعاملة وإظهار الآداب الإسلامية الفاضلة قد ترغب الناس في الإسلام أكثر من مجرد دعوة بطرف اللسان.
فاعرف هذا واجمع بين الأمرين: بين بيان الحق وإيضاحه بلسانك وبين المعاملة الطيبة التي ترغب الناس في دين الله وتجعلهم يحرصون على معرفة هذا الدين وأقل أحوالهم أن يعرفوا ما عليه أهل هذا الدين من الخلق العالي ومن الكرم والفضل، فتتغير نظرتهم عمَّا يصلهم من التشويه ومن العلوم المحرفة الباطلة التي يبثها أهل الفساد في الأرض.
وأما عن التوجيه في هذا المقام؛ فإن أعظم توجيه في هذا المقام هو أن تجمع ثلاثة أمور:
فالأمر الأول: الإخلاص لله جل وعلا في دعوتك.
والأمر الثاني: الاستعانة بالله جل وعلا على دعوة الناس إلى الله جل وعلا، فتتوكل على الله في إيصال الحق إلى الناس وفي هدايتهم.
والأمر الثالث: العلم والبصيرة في الدعوة – كما أشار الله جل وعلا في الآية الكريمة السابقة - فهذا يحتاج منك إلى تحصيل العلم النافع الذي يعينك على إظهار الحق وإيصاله إلى الناس على الوجه الذي يريده الله تعالى ويريده رسوله - صلوات الله وسلامه عليه -.
مضافًا على ذلك أن تحرص على أن يكون لك من يعينك على الدعوة إلى الله من الأخوة الفضلاء الطيبين الذين معك في العمل، بحيث تتعاونون جميعًا على دعوة الناس وتقومون بالتعاون في هذا الباب؛ لأن يد الله مع الجماعة؛ ولأن أخاك عضد لك؛ ولذلك قال موسى - صلوات الله وسلامه عليه – عندما منَّ الله عليه بالرسالة قال: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ}.
فقال تعالى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآياتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ}. فاحرص على هذا واحرص أيضًا على تنويع الأساليب قدر جهدك واستطاعتك.
وأيضًا فعليك أن تبذل الجهد وألا تستقلَّ جهدك وأن تبذل وسعك في هداية الناس، فإن استجابوا فهذه منَّة من الله جل وعلا، وإن لم يستجيبوا فقد قمت بحمد الله بالعمل الصالح وكنت من ورثة الأنبياء الذين يدعون إلى الله جل وعلا ويحرصون على القيام بطاعته وإيصال الحق إلى الناس.
وأما عن سؤالك الكريم عن إثمك إن لم تقم بذلك، فينبغي أن تعلم أن الدعوة إلى الله جل وعلا هي رسالة الأنبياء وهي التي بعث الله جل وعلا بها رسله الكرام - صلوات الله وسلامه عليهم – فينبغي أن تحرص على أداء هذه الرسالة وإن لم يكن ذلك واجبًا عليك.
وأما أن توصل الحق إلى الناس فإن أمكنك ذلك وجب شرعًا؛ لأن هذا من جنس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كنت معذورًا بأعذار شرعية كعدم القبول من الناس وصدهم عنك أو حصول بعض الموانع التي تمنعك فحينئذ أصبح لك عذر شرعي فحينئذ تعذر، وأما مع القدرة ومع التمكن فيجب على المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا ريب أن الكفر بالله هو أعظم منكر وأفحش معصية عصي الله بها.
ومع هذا فإن قام بعض الناس بدعوة هؤلاء الذين ذكرتهم في سؤالك فقد سقط عنك الحكم لأن هذا الأمر هو من فروض الكفايات وليس من فروض الأعيان، ومع هذا فالمؤمن لا يترك فرصة تقربه إلى الله إلا وبادر إليها، والله يتولاك برحمته ويرعاك بكرمه ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
وبالله التوفيق.
الكاتب: أ/ الهنداوي
المصدر: موقع إسلام ويب